حتى مقالب الحسن الثاني وردود فعله القاسية، لا تخلو من روح السخرية أحيانا، وبعض مقالبه يستوحيها من قصص وحكايات سبق أن سمع بها أو قرأها، ففي منتصف السبعينيات أهان الرئيس الجزائري مبعوثه لقصر المرادية، أحمد رضا اكديرة، بشكل غير لائق، فقد جلس على كرسي دوار ووضع رجلا فوق رجل بحيث كان حذاؤه في مواجهة مرسول الملك، الذي أجلسه على كرسي صغير وأخذ يخاطبه بتعال.
أحس الملك الراحل بالإهانة، لكنه لم يغفرها لبومدين الذي بعث وزير خارجيته إلى المغرب بعدها، ويقول أحد من عاشوا الحدث عن قرب لـ”الأيام” إن الحسن الثاني ظل لمدة طويلة منشغلا وقلقا، كان يفكر في ما يبدو ردا مناسبا، وهكذا ستوحي له قصة الملكة بلقيس والنبي سليمان «قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
حيث أمر الحسن الثاني بطلاء جزء كبير من رخام قاعة العرش بمادة لزجة تجعل كل من يسير فوق رخامها يتزحلق، ونصبت الزربية فقط في مكان جلوس الملك على عرشه، قدم ضيف الملك وفق المخطط المرسوم، وما إن خطا بضع خطوات حتى تزحلق وكاد يرتمي عند قدمي الحسن الثاني، الذي أمسك به: وحال لسانه يردد: «قل لصديقنا بومدين، إن الملوك لا يسقطون ومستشاروهم لا يهانون».
يقول الكاتب الجزائري محمد سيفاوي في كتاب حديث صادر بفرنسا تحت عنوان: “بوتفليقة والجزائر”: «بالنسبة لعلاقة بوتفليقة بالمغرب، أعتقد أن الأمر يتعلق ببعد يكشف عنه التحليل النفسي بوضوح، إنني أزن الكلام الذي أقول بشكل جدي، إن عبد العزيز بوتفليقة أكثر مغربية من المغاربة، لكن ها هو يكره المغرب ويعاكسه في وحدته الترابية، لقد كان يكن كرها شديدا للحسن الثاني لأنه كان يعامله بتعال، فبقدر ما أعجب بوتفليقة بشخصية الملك الراحل حد الانبهار بقدر ما حقد عليه، وهذا ما تعكسه رسائله إلى الملك حين كان بوتفليقة يختمها دوما بعبارة “خادمك المخلص”، إذ ظل يرى أمامه ملكا مقدسا لدى شعبه، أكبر منه سنا وأكثر منه تجربة.
أثناء تشييع جنازة الملك الراحل ظهر عبد العزيز بوتفليقة وهو يسير بجانب سيدي محمد وراء جثمان الملك، وقد كان ملفتا للانتباه وضعه يديه على نعش الملك الذي كان محمولا على سيارة عسكرية، لقد فسر لي شخص وازن في مربع الحكم هذه الدلالة السيكولوجية. إن الأمر أكبر من دهاء دبلوماسي يريد أن يبرز أن الرئيس بوتفليقة يحب المغرب والمغاربة وها هو أشد حزنا على رحيل ملكهم، لكن الأمر أعمق من ذلك، فالشكل الذي وضع به بوتفليقة يده لمدة طويلة على جثمان الحسن الثاني يبرز أن بوتفليقة كان يحلم دوما أن يخاطب الحسن الثاني ندا للند، ويوم أصر بقوة على ذلك، أخذ موعدا للالتقاء بالحسن الثاني في شتنبر 1999، لكن الحسن الثاني أغلق الباب وأصر على الرحيل في يوليوز، أي شهرا قبل اللقاء الذي راهن عليه الرئيس الجزائري، لذلك كان يبكي خيبته الخاصة وهو في جنازة الملك الراحل، ويمكن تفسير ما يحدث مع المغرب اليوم بمحاولة عبد العزيز بوتفليقة أن يعامل الملك محمد السادس بنوع من الأبوة، كما كان يعامله هو نفسه الحسن الثاني.
رحل الملك الحسن الثانس وعاشت نوادره وطرائفه وفي ذكرى وفاته أعدت الأيام ملفا عنها زاخر بالقصص الممتعة، تجدونه في الأكشاك حاليا.