تَصِف بَعْض الْكِتَابَات الْجَزَائِرِيَّة المؤرخة لِلسُّلْطَان الْمَغْرِبِيّ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ هِشَامٍ الَّذِي حَكَمَ الْمَغْرِبِ بَيْن 1822م إلَى 1859م ، بِأَنَّ هَذَا السُّلْطَانِ كَانَ "خائنا" للجزائر خِلَال مُقَاوَمَة الْأَمِيرُ عَبْدُ الْقَادِرِ للاستعمار الفَرَنْسِيّ ، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ هَذَا السُّلْطَانِ أَمْرَ بِاسْتِقْبَالِ واحتضان آلَاف الجزائريين فِي ثلاثينيات الْقَرْن التَّاسِعَ عَشَرَ ، كَمَا أَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ يَفْقِدَ ابْنِه (ولي الْعَهْد أنذاك) فِي مَعْرَكَةِ إيسلي الشَّهِيرَة بَيْن القُوَّات الْمَغْرِبِيَّة ونظيرتها الْفَرَنْسِيَّة دفاعا عَن الجَزَائِر سُنَّةٌ 1844م .
فَفِي ثلاثينيات الْقَرْن التَّاسِعَ عَشَرَ ، وَبَعْد فَتْرَة قَصِيرَة مِنْ دُخُولِ الاِسْتِعْمارُ الفَرَنْسِيُّ إِلَى الجَزَائِرِ سُنَّةٌ 1830م ، بَدَأ الْآلَاف مِن الجزائريين يُغادرون الْبِلَاد نَحْوِ الْمَغْرِبِ ، هَرَبَا مِنْ "دار الكفر" إلَى "دار الإسلام" ، لِيَصْدُر السُّلْطَان الْمَغْرِبِيّ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ هِشَامٍ ، قَرَارا يَدْعُو إلَى اسْتِقْبَالِ واحتضان الْأَشِقَّاء الجزائريين فِي الْمُدُنِ الْمَغْرِبِيَّة .
وتُقدر بَعْضِ النُّصُوصِ التَّارِيخِيَّة هِجْرَة الجزائرين بالآلاف ، وَقَدْ بَلَغَ الأمْرُ أَنَّ بَدَأَت قَبَائِل جزائرية عَدِيدَة بِالرَّحِيل بِشَكْل جَمَاعِيٌّ نَحْوِ الْمَغْرِبِ ، مِثْل قبيلتي "بني عامر" و"هاشم" وَبُطُون عَدِيدَة مِثْل "ولاد سليمان" و"ولاد عيسى" ، وَعَدَد كَبِيرٌ مِنْ الأهَالِي وَالْأَسْر مِنْ مُدُنِ مِثْل وَهْران وتلمسان وَمِنْطَقَة بلعباس .
وتُعتبر مُدَن مَغْرِبِيَّة مِثْل تِطْوان وتازة وَفَأْس وَوَجَدَه ، هِيَ مِنْ أَكْثَرِ الْمُدُنِ الَّتِي اسْتَقْبَلَت الهجرات الجَمَاعِيَّة للجزائريين ، وَقَدْ كَانَ الْقَرَارُ السُّلْطَانِيّ بِمُعَامَلَتِهِم كَأَهْل الْبَلَد ، وبالتالي لَمْ يَجِدْ الجزائريون صُعُوبَةً فِي الاندماج والانصهار بِشَكْل شَبَّه كَامِلٌ فِي الْمُجْتَمَعِ الْمَغْرِبِيّ .
وَحَسَب النُّصُوص التَّارِيخِيَّة ، فَإِنَّ السَّبَبَ الرَّئِيسِيّ لهجرة الجزائريين إلَى الْمَغْرِبِ مُنْذ ثلاثينيات الْقَرْن التَّاسِعَ عَشَرَ تَرْجِع بالأساس إلَى رَغْبَتِهِمْ فِي الاِبْتِعَادُ عَنِ الاضطهاد الفَرَنْسِيّ ، أَضَافَهُ إلَى الْوَازِع الدِّينِيّ الَّذِي دَفَعَ أَغْلِبُهُم إلَى اللُّجوء إلَى الْمَغْرِبِ بِاعْتِبَارِه بَلَدًا تَحْتَ حُكْمِ إسْلَامِيّ ، فِي حِينِ أَنْ الجَزَائِر أَصْبَحْت "دار كفر" بِسَبَب الاِسْتِعْمارُ الفَرَنْسِيُّ .
ولازالت بَعْض الْكِتَابَات التَّارِيخِيَّة لجزائريين حُلْوًا بِالْمَغْرِب يَذْكُرُونَ فِيهَا حَسَنٌ اسْتِقْبَال الْمَغَارِبَة لَهُم ، وأوامر السُّلْطَان باحتضانهم ، حَيْث لازالت مُرَاسَلَة سُلْطَانِيَّة تُؤَرِّخ لِهَذَا التَّضَامُن جَاءَ فِيهَا قَوْلُ السُّلْطَان الْمَغْرِبِيّ "إن أَهْل الجَزَائِر نَاسٌ غُرَبَاء أَخْرَجَهُم الْعَدُوّ الْكَافِرُ مِنْ أَرْضِهِمْ ووطنهم والتجؤوا إلَى إيالتنا واستظلوا بِظِلّ عنايتنا ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نؤنس وحشتهم ونعاملهم بِمَا ينسيهم غربتهم لِأَنَّهُم إِخْوَانَنَا فِي الدين" .