-->
إقرأ TV قناة دينية متميزة تنشر كل ما يفيد المسلم إقرأ TV  قناة دينية متميزة تنشر كل ما يفيد المسلم

الأسباب الدينية والسياسية لظهور الاحتفال بيوم مولد الرسول


ظل تاريخ مولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) مثار اختلاف حول تحديده بالإجماع، قبل أن يصبح الاحتفال به عادة سنوية يوم الثاني عشر من ربيع الأول، حيث شهد فجر هذا اليوم بمكة في عام الفيل ولادة استثنائية لطفل لم تعرف والدته آمنة ألم المخاض، مثلما لم تظهر عليها في بداية حملها لأسابيع أي آثار مما يصاحب الحوامل عادة في أولى شهور الحمل.

 

كان لهذا الطفل الذي حمل معه منذ مولده بشارة بأنه سيكون ذا شأن عظيم، أكثر من موعد مع اليتم، منذ فقدانه لوالده عبد الله بن عبد المطلب وهو جنين في شهره الرابع في بطن والدته، قبل أن يفقد والدته أيضا والتي لم يعش معها سوى سنة واحدة وكان حينها في سن السادسة من العمر، بحكم أنه عاش خمس سنوات مع مرضعته السيدة حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية. حيث تروي السيرة النبوية أن «رسول الله بلغ في فطامه عامين كاملين، فاستأذنت مرضعته حليمة والدته آمنة في تمديد فطامه، وكان في مكة وباء شديد البلاء، فأذنت لها بذلك، فأقام محمد في بادية مرضعته خمس سنوات لم ير خلالها والدته سوى مرتين».

 

ولم يكن اختيار مرضعات للأبناء داخل عائلات أشراف قريش اعتباطيا، بل كان ذلك بدافع كون المرضعات يتمتعن بسلامة الجسد، ويتميزن بالفصاحة وشرف الأخلاق، مما يؤثر كثيرا في شخصية الصغير الذي ينشأ بين أيديهن.

 

أما الموعد الثالث للرسول (صلى الله عليه وسلم) مع اليتم فكان بعد مرور سنتين فقط على رحيل والدته آمنة، عندما انتقل جده عبد المطلب أيضا إلى دار البقاء، وتركه في كفالة عمه أبي طالب الذي سيتوفى في نفس السنة التي ستفارق فيها خديجة بنت خويلد زوجة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الحياة وكان حينها قد بلغ النبي (صلى الله عليه وسلم) سن الخمسين.

 

كان عبد المطلب يعز حفيده كثيرا، فأطلق عليه اسم أخيه من أمه الذي كان يدعى محمدا، إحياء للمحبة المتبادلة التي كانت تربط الأخوين ببعضهما البعض، واهتم عبد المطلب بتربية محمد بعد وفاة والدته آمنة التي كان وراء اختيارها زوجة لابنه عبد الله، بل إن السيرة النبوية تذكر أن عبد الله والد الرسول (ص) قد تزوج هو ووالده عبد المطلب في ليلة واحدة، لكون هذا الأخير اقترن بهالة بنت وهب شقيقة آمنة بنت وهب». «ذهب عبد المطلب ومعه ابنه إلى دار وهب بن عبد مناف، وهو ولي الفتاتين، فخطب عبد المطلب هالة لنفسه، وخطب آمنة لابنه، وتزوج الوالد والولد في مجلس واحد، وتم الزواج بالصداق، وأكد بالشهود، وذلك سر قول الرسول: «برئت من سفاح الجاهلية» وكان عبد الله في سن الثالثة والعشرين وآمنة في سن العشرين».

 

وقد وصفت السيرة النبوية الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بكونه «كان بادي الروعة، ضاحي الطلعة، في وجهه صفاء، وفِي خذه بياض مشرب بحمرة وحسن، أكحل الجفنين، غزير الأهداب، في طول واستواء، مقرون الحاجبين، في دقة وانحناء، أسود الشعر في انصقال، طويل العنق في جمال، مهيب الصمت رخيم الصوت، حديثه فصل، لا نزر ولا هدر، إذا تقدم اندفع إلى الأمام كأنما يهبط من منحدر، له عرف أطيب من المسك الزكي، ضحكه ابتسام، بين كتفيه خاتم النبوة كبيض الحمام».

 

لم يكن الاحتفال بعيد المولد النبوي شائعا في المغرب، وقد تعددت الروايات حول بداية الاهتمام بإحياء ذكرى مولده، ومن ذلك أن الموحدين كانوا سباقين إلى تخليد هذه المناسبة، واستعمالها كسلاح لحماية الدين الإسلامي من الزحف المسيحي في الأندلس، من خلال تعظيم احتفالهم بعيد مولد المسيح، حيث عمد الموحدون إلى جعل ذكرى مولد الرسول مناسبة لذكر شمائله وقيم النبل والتسامح التي جاء بها الدين الإسلامي من خلال الرسالة الإلهية التي حملها خاتم الأنبياء والمرسلين. حيث استمرت عادة الاحتفال بالمولد النبوي، وترسيخه عيدا دينيا.

 

وقد تنوعت طرق الاحتفال به عبر السنين، ومن ذلك «موكب الشموع» الذي أصبحت تستفرد به مدينة سلا، بعد أن تخلت عنه تدريجيا مدن أخرى، منذ عهد السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي الذي من فرط إعجابه بزينة الشموع في حفلات العثمانيين، طلب أن يحضر الصناع التقليديين مجسمات شموع في كامل زينتها لتصبح جزءا من الطقس الاحتفالي الصوفي بمولد الرسول الأعظم وتشهد بذلك سلا أول موكب شموع لها بهذه المناسبة.

 

وتشير الباحثة رشيدة الهامل في دراسة لها نالت بها شهادة الماجستير أن «هذا الاحتفال ارتبط بأسباب ودوافع قوية وظروف مهدت لظهوره في المجتمع المغربي والإسلامي، بسبب الصراع العسكري والروحي القوي بين المسلمين والإسبان في الأندلس ولاسيما بعد هزيمة المسلمين في معركة العقاب، في نهاية العقد الأول من القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي، ومنذ ذلك التاريخ أخذت المدن الإسلامية في الأندلس تتساقط في يد العدو الواحدة تلو الأخرى. وبالتالي ازدادت الرقعة المسيحية اتساعا، وازدادت معها مخاوف المسلمين على مصيرهم ودينهم، وأصيبت نفسيات الكثير منهم بالإحباط وبعدم الثقة في النفس، واهتز كيانهم وعنفوانهم الروحي بسبب النكبات والانكسارات المتتالية، والهزات الروحية التي أصيبوا بها في العمق، مع ضربات النصرانية لبلاد الإسلام، وللخروج من هذه الاضطرابات، كانت الالتفاتة إلى المولد النبوي بمثابة مراجعة للنفس المسلمة».

 

ويتوقف نفس الكتاب عند بداية احتفال مكة بهذه المناسبة، فقد عرف أهل مكة الاحتفال بهذه المناسبة خلال القرن السادس الهجري الموافق للثاني الميلادي، حيث كانت مراسيم الاحتفال بمسقط رأس الرسول (صلى الله عليه وسلم) تبدأ في شهر ربيع الأول يوم الاثنين، وفي أوائل القرن السابع الهجري الثالث عشر ميلادي، صار يوم مولد النبي يوم عطلة للناس جميعا بمكة، إذ تفتح فيه الكعبة ليزورها الناس، وقد كان مظفر الدين حاكم أربيل في شمال العراق نهاية القرن السادس وبداية الثامن، يعتني بيوم مولد النبي أيما اعتناء، فعظم هذا الاحتفال، وصار الناس يتوافدون على أنحاء البلاد في كل عام.

 

وأما ظاهرة الاحتفال المغربي بيوم مولد الرسول ـ حسب نفس الدراسة – فقد شملت جميع أقاليم المغرب في عهد السلطان يوسف بن يعقوب الذي لم يتوانى في تعميمها والدعوة إلى تعظيمها، وأصدر بذلك مرسوما سلطانيا في آخر صفر 1292 م يجعل المولد عيدا رسميا، وبالتالي أصبح يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول عيدا عاما بالمغرب. وفي عصر السلطان المريني أبي الحسن، صارت الدولة تتحمل نفقات الاحتفال بهذه الليلة ضمن المراسيم التي تقيمها، غير أن الاحتفال لم ينظم في تونس بصفة رسمية إلا في عهد أبي فارس عبد العزيز، إذ أصبح الاحتفال بهذه المناسبة سنة من السنن المحمودة في الدين».

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا