الأمن الغذائي
توقف تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي على تفاقم العجز البنيوي الذي يعرفه القطاع الفلاحي بالمغرب، والصعوبات الجمة التي يعيشها، وما لها من انعكاسات سلبية على السيادة الغذائية للبلاد.
ومن جملة ما يهدد السياد الغذائية بالمغرب، حسب التقرير، التقلبات المناخية والجفاف، واستمرار ارتهان القطاع بحجم التساقطات المطرية، والمخاطر متعلقة بتوفر البذور، وغلاء الأسمدة المستوردة والمبيدات، وتفاقم مديونية الفلاحين في ظل تراجع المحاصيل.
كما نبه التقرير إلى ارتهان السيادة الغذائية للمغرب بالواردات من المنتجات الفلاحية، وما يرتبط بها من صدمات إزاء تقلب الأسعار على الصعيـد الدولي، وذلـــك فـــي ظل ظرفية يشوبها عـدم اليقين بسبب الحرب فـي أوكرانيا، والقيـود المفروضة علـى التصدير في بعض البلدان المنتجة الرئيسية.
البنك الدولي بدوره، سجل في تقرير حول “المناخ والتنمية بالمغرب” نشره بحر الأسبوع الماضي أن الأمن الغذائي للمغرب يعرف تهديدا بسبب التقلبات المناخية والجفاف، رابطا بين غياب الأمن المائي وانعكاسه المباشر على الأمن الغذائي.
وحذر البنك الدولي من أن المغرب يعد من أكثر بلدان العالم شحا في المياه، ويشكل تزايد حالات الجفاف وشدتها تهديدا للأمن الغذائي في المملكة، بالنظر إلى انخفاض غلة المحاصيل.
وأوضح التقرير الدولي أن الزراعة المعتمدة على الأمطار بالمغرب تشكل 80 في المئة من المساحة المزروعة في المملكة، وتشـتغل بهـا معظـم القـوى العاملـة الزراعيـة، وتراجع التساقطات يؤثر على محاصيل كل هذه المساحة.
وإذا كان إنشاء السدود ساهم في توسيع شبكة الري بالتنقيط، وسـاعد المغـرب علـى التحـول إلـى محاصيـل أكثـر إنتاجيـة ومضاعفـة القيمـة المضافة الزراعيـة، إلا أن هذه الاستثمارات الكبيرة، يضيف البنك الدولي، لم تتجنـب زيـادة الضغـوط على الموارد المائية، وأدت إلى الاستغلال المفرط لموارد المياه الجوفية، وهو ما ساهم في زيادة تهديد الأمن الغذائي بالمغرب اليوم.
وترتبط القيمة المضافة الفلاحية والمتعلقة بالري بالتنقيط بمنتجات فلاحية تستهلك المياه بكثرة وموجهة أساسا للتصدير، في حين أن الحبوب التي تعتبر أكثر المنتوجات استهلاكا فلا تزال تعتمد في المجمل على التساقطات، ويؤدي تراجع هذه الأخيرة إلى ضعف المحاصيل بشكل يهدد الأمن الغذائي للمغاربة.
وعلى ضوء هذا التهديد شدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي على أن إرساء تحول للمنظومة الفلاحية، أصبح أمرا مستعجلا، داعيا إلى دراســـة جـدوى إدخال أصناف من الحبوب أكثر مقاومة للجفاف، لا سـيما تلك المنتشرة في إفريقيا، مثل أصناف الدخن أو الذرة الرفيعة وإيلاء أهمية أكبر للشعير.
ومن شأن هذه الزراعات، حسب المجلس، أن تساهم فـي تعزيز قدرة الإنتاج الفلاحي على الصمـود، وتحسين المخزون من البذور، وتقليص التبعية للخارج في هذا المجال، مع تحسين الأمن الغذائي للبلاد.
كما أوصى المجلس بتطوير تقنيات السقي والأساليب الفلاحيـة الأكثـر ملاءمة لمناخ المغرب، مع مواصلة تطوير البنيات التحتية الخاصة بتحلية مياه البحر، واســـتعمال المياه العادمة لأغراض السقي فـــي القطاع الفلاحي، ناهيك ترشيد استهلاك الماء في القطاع الفلاحي، وإجراء تقييم استباقي لاستراتيجية الجيل الأخضر، للتقليل من حدة التبعية الغذائية.
الأمن الطاقي
ولا يختلف الحال بالنسبة للأمن الطاقي للمغرب الذي لا يزال بدوره مرتهنا بشكل كبير إلى الخارج، وهو الأمن الذي تزيد درجة تهديده بفعل التغيرات الموجودة على الساحة الدولية اليوم، وعلى رأسها تبعات الحرب في أوكرانيا.
وإلى جانب العوامل الخارجية، سجل التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي المنشور وسط الأسبوع المنصرم أن التبعية الطاقية للمغرب تفاقمت بفعل العديد من التحديات الداخلية، وعلى رأسها إغلاق مصفاة “سامير”، وخط أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، والتعثر في الطاقات المتجددة.
وسجل التقرير أن إغلاق مصفاة تكرير البترول الوحيدة بالبلاد جعل المغرب يصبح مرتهنا بالأسـواق الدولية للمنتجات المكررة، كما حرمه من قـــدرة تخزينية تبلغ حوالي 2 مليـون متر مكعب، في حين لم تنجح المملكة في رهان زيادة حصة الطاقات المتجددة في المزيج الطاقي، والتي تعرف تعثرا كبيرا، كما أن إنتاج الكهربـاء من مصادر متجـددة لا يتجاوز 20 في المائة من إجمالـــي الطاقة الكهربائيـة المنتجة بالبلاد.
وقد أدت هذه التطورات إلى تزايد درجـة اعتماد المملكـة على واردات منتجات الطاقة والكهرباء وفاقمت من عجز ميزانها التجاري، ومن تبعيتها للخارج.
ففي قطاع الطاقات المتجددة، سجل التقرير غيـاب وضوح الرؤيـة، في ظل التخبط والعشوائية وغياب الالتقائية، وكذا الحاجة الماسة لتأهيل إطاره القانوني.
وأكد المجلس أن المغـــرب يجد نفســـه في وضعيـــة صعبة تهدد أمنـــه الطاقي بالنظـــر إلى أن المخزونـــات الاحتياطية مـــن المنتجات الطاقيـــة لـــم يســـبق لها أن بلغت الســـقف القانوني المحدد في شـــهرين، كما أن إجراء الحكومة المتمثـــل في تتبـــع برامج الاســـتيراد التي تدلي بها الشـــركات المســـتوردة للمـــواد البترولية وكـــذا مخزونـــات المنتجـــات التـــي توجد بحوزة هذه الشـــركات، لن يمكن من تحســـين الأمن الطاقـي لبلادنا.
هذا الأمر، نبه إليه أيضا تقرير مجلس المنافسة الذي أكد عدم التزام شركات المحروقات بتوفير المخزون القانوني من هذه المادة الحيوية، رغم العقوبات المنصوص عليها، والتي تبقى مجمدة، حيث سجل وجود عجز مزمن في احتياطات الغازوال والبنزين بالمغرب، والذي هوى في بعض الفترات إلى أقل من 20 يوما. ورغم سياق الأزمة الذي طبع الأشهر الأولى من العام الجاري، وتعثر إمدادات المحروقات ببعض البلدان، أكد مجلس المنافسة أن شركات المحروقات، لم تراع لهذا الخطر، وخفضت من مخزونها أكثر، محذرا من أن عدم التزام الشركات بتوفير المخزون الاحتياطي، يزيد الخطر بخصوص الأمن الطاقي، خاصة في ظل الغموض الذي يكتنف السوق حاليا.
وأوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالعمـل بشكل استعجالي على مباشرة الإصلاحات اللازمة في مجال الطاقة، مع العمل على توخي الحذر في تقييم ً مختلف خيارات الاستثمار المزمع اعتمادها مستقبلا من أجل إنجاح الانتقال الطاقي وتعزيز اعتماد الاقتصاد على الكهرباء.
الأمن الدوائي
كشف تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ارتهان المغرب الكبير للواردات من الادوية، منبها إلى أن الأدوية واللقاحـات ومختلف المنتجـات ذات الصلـة ليست سـلعا اسـتهلاكية عاديـــة، بل هي موارد استراتيجية ينبغي أن تحظى بعناية خاصة في إطار السياسات العمومية، وسجل تراجع المغرب في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الأدوية.
وأكد التقرير الرسمي أن تطوير الصناعة الصيدليـــة بالمغـرب، التي تندرج ضمن قطاعـات “اقتصاد الحياة”، أصبح ضرورة ملحة من أجل ترسيخ السيادة الصحية، وتمكين المواطن من الولوج إلى الأدوية بأسعار مناسـبة.
وتوقف التقرير على عدد من الاختلالات التي تهدد الأمن الدوائي والصحي بالمغرب، ومن جملتها الارتهان الكبير إلى الواردات من الأدوية، حيث تعتمد المملكة على الخارج في 40 في المئة من حاجياتها، مسجلا في هذا الصدد انخفاضا ملحوظا ومستمرا في معدل الاكتفاء الذاتي في مجال الأدوية بالمغرب، حيث تراجع من 75 في المئة خلال السبعينيات إلى 60 في المئة حاليا.
ومن جملة ما يهدد الأمن الدوائي، اعتماد المغرب على استيراد كل المواد الأولية تقريبا، مـــع التركيز على الموردين مـــن الهند والصين، ممـا يزيد من مخاطر حـــدوث حالات انقطاع في التوريد، ويشـــكل عقبة رئيســـية أمام تطوير الصناعـــة الصيدلية الوطنية.
ورصد التقرير استمرار بعض الكوابح القانونية، منها المتعلقة بنظام منـح رخص العـرض في السوق، والمرتبطة بطوير الأدويـة الجنيسة، مسجلا وجود تركيز كبير في سوق الأدوية مما يضر بمصالح المواطن.
هذا الأمر، سبق أن أكده أيضا تقرير لمجلس المنافسة نبه إلى أن السوق تتخذ طابعا شبه احتكاري في بعض فروع القطاع وتنطوي على درجـة عاليـة من الخطورة إزاء بعض الفئات العلاجية والجزيئات وهو ما ينعكس على القدرة الشرائية للمغاربة وولوجهم للدواء لا سيما الفئات الأكثر هشاشة، ويعيق تطور قطاع الأدوية وتحقق السيادة الوطنية.
وأوصى المجلس الاقتصادي بتسريع وتيرة إحداث وكالة وطنية للأدوية، وهي هيئة تكتسي أهمية بالغة من أجل تنظيم القطاع والنهوض به، إضافة إلى ضمـــان الالتزام الصـارم بقواعد المنافسة السليمة ومبادئ الشـفافية، والمعاقبة الصارمة على انتهاك هذه القواعـد، لاسيما أن السـوق تعـرف وجود مجموعات أجنبيـة كبيـرة ذات رقم معاملات وقدرات مالية كبيرة
وشدد على ضرورة تحفيـز الفاعلين على مضاعفة جهوده في مجال البحث والتطوير، وتعزيز وملاءمة الإطار القانوني من أجل تيسـير تطوير منتجات جديدة والنهوض بالبحث في هـذا القطاع، وإرساء أفضلية وطنية لفائدة المنتجات المصنعة محليا، وتشجيع إنشاء وتطويـــر المقاولات الناشئة والمقاولات المتخصصة في المواد الأولية، وتيسير استقرار الشركات الأجنبية المتخصصة في هذا المجال بالمغرب، لتحقيق السيادة الدوائية.